سورة لقمان - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (لقمان)


        


{أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (20) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (21)}
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ} ذكر نعمه على بني آدم، وأنه سخر لهم {ما فِي السَّماواتِ} من شمس وقمر ونجوم وملائكة تحوطهم وتجر إليهم منافعهم. {وَما فِي الْأَرْضِ} عام في الجبال والأشجار والثمار وما لا يحصى. {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ} أي أكملها وأتمها. وقرأ ابن عباس ويحيى بن عمارة: {وأصبغ} بالصاد على بدلها من السين، لان حروف الاستعلاء تجتذب السين من سفلها إلى علوها فتردها صادا. والنعم: جمع نعمة كسدرة وسدر بفتح الدال وهي قراءة نافع وأبي عمرو وحفص. الباقون: {نعمة} على الافراد، والافراد يدل على الكثرة، كقوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها} [إبراهيم: 34]. وهي قراءة ابن عباس من وجوه صحاح.
وقيل: إن معناها الإسلام، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابن عباس وقد سأله عن هذه الآية الظاهرة: «الإسلام وما حسن من خلقك، والباطنة ما ستر عليك من سيئ عملك». النحاس: وشرح هذا أن سعيد بن جبير قال في قول الله عز وجل: {وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 6] قال: يدخلكم الجنة. وتمام نعمة الله عز وجل على العبد أن يدخله الجنة، فكذا لما كان الإسلام يئول أمره إلى الجنة سمي نعمة.
وقيل: الظاهرة الصحة وكمال الخلق، والباطنة المعرفة والعقل.
وقال المحاسبي: الظاهرة نعم الدنيا، والباطنة نعم العقبى.
وقيل: الظاهرة ما يرى بالأبصار من المال والجاه والجمال في الناس وتوفيق الطاعات، والباطنة ما يجده المرء في نفسه من العلم بالله وحسن اليقين وما يدفع الله تعالى عن العبد من الآفات. وقد سرد الماوردي في هذا أقوالا تسعة، كلها ترجع إلى هذا. قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} تقدم معناها في الحج وغيرها. نزلت في يهودي جاء إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا محمد، أخبرني عن ربك، من أي شيء هو؟ فجاءت صاعقة فأخذته، قاله مجاهد. وقد مضى هذا في {الرعد}.
وقيل: إنها نزلت في النضر بن الحارث، كان يقول: إن الملائكة بنات الله، قاله ابن عباس. {يُجادِلُ} يخاصم {بِغَيْرِ عِلْمٍ} أي بغير حجة {وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ} أي نير بين، إلا الشيطان فيما يلقي إليهم. {وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ} [الأنعام: 121] وإلا تقليد الاسلاف كما في الآية بعد. {أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ} يتبعونه.


{وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَإِلَى اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (22)}
قوله تعالى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ} أي يخلص عبادته وقصده إلى الله تعالى. {وَهُوَ مُحْسِنٌ} لان العبادة من غير إحسان ولا معرفة القلب لا تنفع، نظيره: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [طه: 112].
وفي حديث جبريل قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك». {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى} قال ابن عباس: لا إله إلا الله، وقد مضى في البقرة. وقد قرأ علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه والسلمى وعبد الله بن مسلم بن يسار: {ومن يسلم}. النحاس: و{يسلم} في هذا أعرف، كما قال عز وجل: {فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ} [آل عمران: 20] ومعنى: {أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ} قصدت بعبادتي إلى الله عز وجل، ويكون {يسلم} على التكثير، إلا أن المستعمل في سلمت أنه بمعنى دفعت، يقال سلمت في الحنطة، وقد يقال أسلمت. الزمخشري: قرأ علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: {ومن يسلم} بالتشديد، يقال: أسلم أمرك وسلم أمرك إلى الله تعالى، فإن قلت: ماله عدي بإلى، وقد عدي باللام في قوله عز وجل: {بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} [البقرة: 112] قلت: معناه مع اللام أنه جعل وجهه وهو ذاته ونفسه سالما لله، أي خالصا له. ومعناه مع إلى راجع إلى أنه سلم إليه نفسه كما يسلم المتاع إلى الرجل إذا دفع إليه. والمراد التوكل عليه والتفويض إليه. {وَإِلَى اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ} أي مصيرها.


{وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (23) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ (24)}
قوله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا} أي نجازيهم. {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ}. {نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا} أي نبقيهم في الدنيا مدة قليلة يتمتعون بها. {ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ} أي نلجئهم ونسوقهم. {إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ} وهو عذاب جهنم. ولفظ {مَنْ} يصلح للواحد والجمع، فلهذا قال: {كُفْرُهُ} ثم قال: {مَرْجِعُهُمْ} وما بعده على المعنى.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8